ان علم الأخلاق هو العلم الذي يبين لنا الأمور الحسنة من السيئة، ويقول لك ما ينبغي أن تفعله للناس من إحسان، وأن تحترم والديك ومعلميك، وأن تجدّ في إسعاد وطنك ومواطنيك وأن تضحي من أجلهما، وأن تمتنع عن كل ما هو سيئ كالسرقة والبذائة وقلة الأدب وخيانة الآخرين والكسل وما شابه ذلك.
إذاً فالواجب الأخلاقي هو أن تفعل كل ما يأمرك بفعله علم الأخلاق. لكن مَن الذي يجبرك على فعل ذلك؟ لو أن رجلاً قوياً أجبرك من خلال الجلد والضرب على أداء فعل حسن، لقمت به مع الإحساس بالعذاب والغضب. أما الأخلاق فإن وجدانك وضميرك يجبرك على فعل الخير حتى لو كان في أدائه ضرر لك، لكنك رغم هذا الإجبار وتحمل الضرر تبقى مسروراً وتشعر باللذة جرّاء القيام به. فعندما ترى مريضاً فقيراً فإن وجدانك يجبرك على فعل الخير. وعلم الأخلاق يقول لك: أخذه إلى الطبيب وشراء الدواء له عمل حسن. والواجب الأخلاقي يدفعك لأخذه والصرف عليه من مالك الخاص دون أن تتوقع من أحد أجوراً على ذلك أو تعويضاً.
- واجب الانسان الأخلاقي تجاه الله:
عرف الناس الله منذ آلاف السنين، ومنذ أن عاش الانسان في الكهوف والغابات كالحيوانات. ومع أنه كان يقضي ليله ونهاره في تسلق الأشجار ومطاردة الحيوانات الضعيفة، لكنه كان يرتقي أحياناً القمم العالية ليناجي ربه ويعبده.
وعليه يمكن القول أن الحاجات الأساسية للانسان منذ بداية حياته كانت: الطعام، المكان، الله، الزوج. ولما كان الفكر البشري محدود وغير متطور، فإن طعامه ومكانه ولباسه لم يكن على حاله الفعلي، فإن إلهه الذي كان يعبده لم يكن كالإله الذي نعبده اليوم. فكان بسبب جهله يعبد النجوم والشمس والميت والنار والماء أحياناً، وكان يعدّ لنفسه أحياناً أخرى صنماً من الثمر أو الخشب أو الحجر أو الذهب أو الفضة ويتخذه إلهاً له.
أما الانسان المعاصر فقد عثر على إلهه الحقيقي، وعيّن لنفسه واجبات عليه تجاه ربه، وكل مَن يمتلك تلك القوة الأخلاقية عليه أن يؤدي تلك الواجبات.
وأول واجب علينا هو أن نعتقد بأن الله هو خالق كل ما هو موجود، وأن ليست هناك قوة أخرى تحكم هذا العالم سواه، وأنه ليس له شريك ومعين، وأن جميع الأنبياء والأئمة والناس جميعاً هم عباد له. وأن يكون أحب الناس إلينا أكثرهم تقوى وعلماً، لأن الله يحب عبده هذا أكثر من غيره.
والواجب الثاني أن لا نعبد أيّ أحد وأيّ شيء سوى الله، وأن نستمد العون في كل الأمور منه وحده، وأن نعمل بأوامره التي أبلغنا إياها عبر النبي المرسل منه، وأن لا نتوانى عن خدمة الناس كسباً لرضاه.
- واجب الانسان تجاه نفسه:
ليتمكن الانسان من العيش وتحصيل اللذة من عيشه هذا تقع على عاتقه واجبات تجاه نفسه، وإن لم يؤدي تلك الواجبات يكون سيره مخالفاً للأخلاق.
والانسان مركب من قسمين: أحدهما البدن وهو عبارة عن اليد والرجل والبطن والصدر وسائر الأعضاء المختلفة الأخرى، وعلى الانسان أن يحافظ على جميع أعضاء بدنه.
الآخر هو الروح والفكر وهما أهم من البدن بكثير، وقيمة كل انسان بروحه وفكره. فعندما نتناول فاكهة حلوة تحسّ باللذة، وبدنك هو الذي يدرك هذه اللذة لأن حبة الفاكهة قد وردت عليه وهي غذاؤه.
وعندما تتعلم درساً بشكل جيد، وينوّه بك زملاؤك وأساتذتك ووالديك؛ فإنك تشعر باللذة أيضاً. لكن هذا التنويه يختلف عن تلك الفاكهة التي دخلت إلى معدتك، والتنويه قد دخل إلى روحك وفكرك، وقد سرّا بوروده عليهما، فانعكس ذلك سروراً عليك.
إذاً فإن واجباتنا تجاه أنفسنا تنقسم إلى قسمين أيضاً: واجبات تجاه أبداننا كالنظافة والطهارة وهما أكبر واجبين تجاه البدن، وعلى كل انسان أن يؤديهما بدقة، إلى حد أن نبي الاسلام(ص) اعتبر أن النظافة من الدين، فقال: "النظافة من الإيمان" وضمّت التعاليم الاسلامية الكثير من التوصيات بالنظافة والصحة مثل: سواك الأسنان، ونظافة الملابس، والوضوء كل يوم عدة مرات بغسل الوجه واليدين، والاغتسال. فمنذ أن اكتشف باستور الميكروب علم الجميع أن ملايين من أعداء الصحة والسلامة الانسانية يتواجدون في الغبار والتراب والماء والطعام وفي كل مكان، ويهاجمون الانسان فيمرض ويشرف على الموت، عندها عرف الانسان علمياً مدى أهمية النظافة، فأخذ الانسان يدقق في طعامه، وينوع فيه لحاجة بدنه إلى اللحوم والخضروات والفواكه والحليب واللبن وغير ذلك، وأنه لا يجدر به أن يأكل ليلتذ فقط، بل عليه أن يتناول ما يحتاجه بدنه، وأن يولي نظافة الطعام وسلامته أهمية قصوى.
ومن الواجبات تجاه البدن (الرياضة) لأن كل عضو لا يعمل سيضعف تدريجياً ويصيبه العطب، خاصة بالنسبة للأناس الذين يزاولون الدراسة والأعمال الفكرية، وعليهم أن يجلسوا في أماكنهم لمدة طويلة، وعليهم أن يمارسوا الرياضة بشكل يومي لتقوى بذلك أبدانهم، وقد جاء في الحديث: "العقل السليم في الجسم السليم" ومَن كان مريضاً دوماً لا يمكنه أن يخدم أسرته ودينه ووطنه، وليس له قيمة في مجتمعه.
وهناك واجب آخر على الانسان تجاه روحه، حيث لا يكفي أن يكون الانسان نظيفاً ونشيطاً، بل لابد أن تتقدم أخلاقه ويتطور فكره أيضاً، ومن أجل أن تتطور أخلاقنا وأفكارنا علينا أن نغذي أرواحنا تماماً كما نغذي أبداننا، وغذاء الروح هو أدب المعرفة والتضحية وعبادة الله وسائر التعاليم الأخلاقية. لذلك علينا أن نقضي كل يوم عدة ساعات في مطالعة الكتب الجيدة، وأن نتلقى العلم والمعرفة تحت إشراف معلمينا، وأن نتلقى دروس الأخلاق وحب الأوطان وعبادة الله.
إذاً فالانسان الكامل هو الانسان النشيط والعابد لله والمؤدب والمتعلم والمحب للناس